
يا كُمَيْلُ، العلمُ خيرٌ من المالِ؛ العلمُ يَحرسُك وأنت تَحرُسُ المالَ، والعِلمُ يزكو على الإنفاقِ، والمالُ تَنقُصُه النفقةُ، ومَنفعَةُ المالِ تزولُ بزوالِه.
يا كُمَيْلُ،
محبةُ العالمِ دينٌ يُدانُ بها، العلم يُكسِبُ العالمَ الطاعةَ لربِّه في
حياتِه، وجميلَ الأُحدوثةِ بعدَ وفاتِه، وصَنيعةُ المالِ تزولُ بزوالِه، والعلمُ حاكمٌ والمالُ محكومٌ عليه.
يا كُمَيْلُ،
ماتَ خزَّانُ الأموالِ وهم أحياءٌ، والعلماءُ باقون ما بَقِيَ الدَّهرُ،
أعيانُهم مفقودةٌ، وأمثالُهم في القلوبِ موجودةٌ؛ هَا إنَّ ها هُنَا -
وأشار بيدِه إلى صدرِه – لعلمًا جمًّا لو أَصَبْتُ
له حَمَلَة، ثم قال: بلى أصبْتُه لَقِنًا غيرَ مأمونٍ عليه، يستعملُ آلة
الدينِ للدنيا، ويَستظهِرُ بحججِ اللهِ على أوليائِه، وبنعمِه على عبادِه،
أو منقادًا لأهلِ الحقِّ لا بصيرةَ له في أحنائه، يَنْقدِحُ الشكّ في قلبِه بأولِ عارضٍ من شبهةٍ، لا إلى هؤلاء، ولا إلى هؤلاء، أو منهومًا باللذَّات، سلسَ القياد للشهواتِ، أو مغرمًا بجمعِ الأموال والادِّخار، ليسَا من دعاة الدينِ في شيءٍ، أقربُ شبهًا بهما الأنعامُ السائمةُ، كذلك يموتُ العلم بموتِ حامليه
ثم قال: اللهم بلَى، لا تخلو الأرضُ من قائمٍ للهِ بحجةٍ إما ظاهرًا مشهورًا، وإما خائفًا مغمورًا؛ لئلا تبطُلَ حججُ اللهِ وبيّناتُه، وكم وأين أولئك؟! أولئك واللهِ هم الأقلُّون عددًا، والأعظمون عند الله قدرًا، بهم يدفع اللهُ عن حججِه؛ حتى يؤدوها إلى نظرائِهم؛ ويزرعوها في قلوب أشباهِهم، هجَم بهم العلمُ على حقيقةِ الأمرِ- فباشروا روحَ اليقين، فاستسهلوا ما استَوْعَرَ منه المُتْرفُون، وأَنِسُوا بما استَوْحَشَ منه الجاهلون، وصحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلَّقة بالمنظرِ الأعلى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق